الجمعة 21/07/2000:
تحمل الكلمات معاني واضحة تؤديها، ولا سيما اذا كانت هذه الكلمات “مفهومية” هدفها تعريف بعض القيم الاساسية التي لا يقوم المجتمع السليم الا على اساس مراعاتها وتقديسها.
فكلمة العدالة مثلا هي تعبير عن قيمة سامية لا بد من ان تسود في مجتمعنا كي يتحول الى مجتمع مثالي.
وكذلك كلمة الرحمة، وهي قيمة أخرى تقوم عليها العلاقة بين افراد هذا المجتمع.
ولكل قيمة من هذه القيم مكانها الذي تطبّق فيه، وزمانها الذي تتقدم فيه على غيرها. ولكل منها ايضاً “موضوعها” الذي لا بد من ان تكون هي دون غيرها المتحكمة فيه كي لا يختل توازن المجتمع، وتضيع قضاياه مع ضياع الحقوق وتشتتها.
مناسبة هذه “المحاضرة” المفهومية، ما قيل عن ضرورة التعامل مع قضية العملاء اللحديين الذين يخضعون للمحاكمة “من باب القانون، ومن باب الرحمة ايضا، فالعدالة وحدها ان لم تمازجها رحمة، تبطل ان تكون عدالة صحيحة”.
هذه الكلمات الجميلة والرقيقة تكاد تخلط الامور، وكأن الحديث هنا ليس عن حفنة من المجرمين القتلة الخائنين لبلادهم والمتعاونين مع اكثر اعدائنا شراسة واجراما، وانما عن مجموعة من الملائكة ـ او لنقل من الصالحين ـ الذين قاموا بعمل هو محل نقاش، ليس هناك حكم قاطع للقانون فيه، ويمكن النظر الى عملهم من زوايا مختلفة بما يسمح بالتعامل معهم بالرأفة والرحمة ـ كي لا “تبطل ان تكون عدالة صحيحة”.
وهؤلاء العملاء هم مجرمون وقتلة وخونة، وتعريف ما ارتكبوه يضعهم في اطار مجرمي الحرب الدوليين الذين يجب انزال اقصى العقوبات بهم، لما اقترفتهم ايديهم من جرائم.
واعادة التذكير بما ارتكبوه هدفها فقط لفت نظر الذين غامت امام اعينهم الكلمات وضاعت القيم المفهومية التي تحملها، فصاروا يخلطون بين الحق والباطل، وبين العدالة والظلم، وبين الرحمة.. والاستخفاف بكرامة شعب ودماء شهدائه وعرق مجاهديه.
لا يا سيدنا ـ ما هكذلا تورد الابل.
وشاعر العرب الاول قال قبل اكثر من الف سنة:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلى.
مضر.. كوضع السيف في موضع الندى.
ولمن خانته معرفة الكلمات ـ وسيدنا ضليع بالقاموس ومعانيه ـ فان الندى يعني الرحمة، والسيف في حالة هؤلاء المجرمين هو العدالة.
محمود ريا