الجمعة 14/07/2000:
المخدرات هي عنوان الكابوس الذي يسيطر على جيش الاحتلال الصهيوني الذي تحول من جيش نخبة لا يقهر الى مجموعة من تجار المخدرات الذين يقهرون الاف الجنود بامدادهم بعشرات الاطنان من هذه المواد، ويحولونهم الى قطعان من “المجاديب” الذين يقضون اوقاتهم في حال من الهذيان والضياع.
هذا الكابوس يصبح اكثر قتامة مع الغوص في مفرداته، ومع استعراض المعلومات الواردة عنه في قلب الكيان الصهيوني. هذه المعلومات التي ترسم صورة دقيقة عن الحكم “الكارثي” الذي وصلت اليه هذه المعضلة التي باتت خارج اطار أي امكانية للسيطرة عليها.
تقول اخر المعلومات الواردة من الكيان الصهيوني ان الالاف من الجنود الصهاينة يتعاطون المخدرات بشكل دائم، وان عددا من كبار الضباط يقومون بتوفير المواد المخدرة على انواعها للجنود من اجل تعاطيها!
صحيفة “معاريف” الصهيونية نقلت الاسبوع الماضي (5/7/2000) عن قائد التحقيق في الشرطة العسكرية العقيد ميكي بارئيل قوله لاعضاء “اللجنة الفرعية للقوة البشرية في الجيش الاسرائيلي” التابعة للكنيست: انه حسب تقديره حوالى ستة في المئة من الجنود يستخدمون المخدرات. مضيفا ان اغلب الجنود الذين يعتقلون بسبب حيازة المخدرات يخدمون في وحدات الجبهة الداخلية. وفي محاولة “لتخفيف وقع الارقام”، قال بارئيل: ان 85 في المئة من الجنود الذين اعتقلوا استخدموا المخدرات من نوع الحشيش. متابعا: “لكن الجيش الاسرائيلي لا يفرق بين مخدرات خفيفة ومخدرات قوية، وهو يتخذ سياسة عقوبات صارمة”.
ولكن كيف توصل بارئيل الى هذه الارقام، وما هي نسبة دقتها؟
الشق الاول من السؤال تجيب عنه صحيفة “يديعوت احرونوت: التي قالت “ان المعطيات التي توصل اليها الجيش الاسرائيلي تستند الى نماذج اسئلة من دون اسماء يقوم الجنود بتعبئتها عند انتهاء الخدمة العسكرية، والى نتائج فحص البول الذي تجريه الشرطة العسكرية التي تقوم بالتحقيق في هذه الظاهرة. كما يستند قسم من المعطيات الى معلومات استخباراتية مسبقة، وقسم منها الى معلومات جرى الحصول عليها مصادفة.
ولكن هل يمكن الوثوق بهذه الارقام؟
صحيفة “يديعوت احرونوت” نفسها تقدم مقاربة اخرى للموضوع يمكن الاستفادة منها، هي ان الارقام التي يعرضها الجيش الصهيوني ليست دقيقة. فهي تقول: “في العام الماضي اجرى الجيش الاسرائيلي فحصا لثلاثة عشر الف عينة بول اخذت من الجنود، وبلغت العينات التي وجدت ايجابية (اصحابها تعاطوا المخدرات) 51%، وتشير كلها الى تعاطي مخدرات خفيفة، مقارنة مع 37% خلال العام السابق. واظهرت الفحوص المخبرية زيادة ملحوظة في عدد الجنود الذين يتعاطون مخدرات الهذيان”.
اذا فالارقام الحقيقية اكبر بكثير مما يذاع من قبل قادة العدو. وهذا ما اكده الرائد احتياط (كوبي سودري)، المسؤول السابق لقسم مكافحة المخدرات في الوحدة المركزية للمهام الخاصة في الشرطة العسكرية الاسرائيلية، الذي سخر من زعم الناطق العسكري الرسمي للجيش، ان ظاهرة الادمان على مخدرات الحشيش بين افراد الجيش محدودة. وقال معقبا: “هذا غير صحيح، فهي (مشكلة تعاطي المخدرات) ليست هامشية، وهي مشكلة اكبر بكثير مما يتصور البعض”.
في ملحقها الاسبوعي الصادر اواخر العام 1998، نقلت صحيفة “يديعوت احرونوت” عن سودري قوله: “ان الجيش محاط بالمخدرات.. ان بعض المسؤولين لا يريدون مكافحة المخدرات لانهم عميان”.
ولكن هل المسؤولون عن المشكلة في الجيش الصهيوني عميان فعلا؟
المعلومات المتوافرة تفيد ان هؤلاء المسؤولين يتعامون عن المشكلة، وليسوا عميانا.
فهذه صحيفة “هارتس” الصهيونية الصادرة بتاريخ 9/11/1999 تقول: “ان عشرات العسكريين الاسرائيليين، ومن بينهم عدد من الضباط، متورطون في عملية تهريب واسعة للمخدرات”.
ونقلت الصحيفة عن القومندان في الشرطة والمسؤول السابق في دائرة مكافحة المخدرات في شمال فلسطين المحتلة “كوبي باشار” ان “ضابطا على الاقل من بين المتورطين في العملية برتبة كولونيل”.
الاهم في ما قاله “باشار” هو ان “الجيش يغض الطرف عن نشاطات المتورطين غير القانونية، فغالبيتهم من البدو، لانه يعتبر انه لا يمكن الاستغناء عنهم”.
اما الرائد سودري فيقول ان ” الخطورة الفادحة تكمن في حقيقة ان هناك عددا من اصحاب الرتب العسكرية الكبيرة ممن يهربون المخدرات لقاء مبالغ مالية. وانا اقصد هنا ضباطا قاموا بتهريب المخدرات منذ سنوات. كما ان الجنود الذين يتعاطون يدركون انهم في مأمن من اكتشاف امرهم. بل ان البعض منهم يتحدث عن ذلك عبر شبكة الاتصالات العسكرية العملياتية. وقد فوجئت اثناء عملي حين اكتشفت ان خمسين في المئة من تجار المخدرات الذين اعتقلناهم كانوا جنودا في سلاح الاتصالات والهندسة المعروفين باسم “شبيبة رفول”.
وعلى “دين اسيادهم” كان قادة الميليشيا اللحدية العميلة يقومون بدور بارز على صعيد نشر المخدرات وتهريبها، حيث “افادت معلومات موثوقة سلمت الى السلطات القضائية والامنية والسياسية، ان ميليشيا لحد العميلة تحمي مروجي المخدرات، وتقاوم القوى الامنية التي تحاول في تلك المنطقة القبض على هؤلاء المروجين”، كما ذكرت صحيفة “السفير” بتاريخ 8/2/1997، عارضة تفاصيل محاولة دورية من فصيلة مرجعيون في قوى الامن الداخلي توقيف تاجر المخدرات بيار فارس عون في بلدة رميش، حيث منعت من قبل قادة الميليشيا العميلة من القيام بواجبها، بعد توجيه “انذار شديد اللهجة بعدم التعرض لبيار عون مستقبلا”.
وقد وصل انتشار المخدرات في صفوف الميليشيا العميلة حد استنكار عناصر الميليشيا الذين اعتقلوا بعد تحرير الجنوب “للمعاملة السيئة التي يتعرضون لها في سجون الدولة، حيث ان القوى الامنية التي تعتقلهم لا تقدم لهم ابسط مقومات الحياة، وهي ـ برأيهم ـ الكوكايين والهيرويين.. ولا حتى الحشيش”.
محمود ريا