المواجهة .. بوجهين

0

الجمعة 19/05/2000:
ايار 1948: شعب معتدى عليه، ينتظر “الجيوش القادمة”، ويتسقط اخبار التحركات الدولية التي تنشط لبحث قضيته، ويأمل ان يغيب اسبوعا واحدا فقط، ليعود الى ارضه بعد ان تكون “القطعان” قد استباحت.. وغادرت.

ايار 2000: شعب معتدى عليه، يأخذ المبادرة، يطلق كل ما لديه من ارادة ومن قوة، يقفل اذنيه عن سماع التحركات وعينيه عن الحلم بالجيوش، يضرب، يفعل ولا يأمل، فيبقى في ارضه، ويخرج “القطعان” مانعا إياها من ان تستبيح.. او تستريح.

ليست المقارنة هنا بين شعبين، وإنما هي مقارنة بين موقفين، الاول عاش التفاعل السلبي مع الاحداث، والثاني يعيش الفعل الايجابي والمؤثر فيها، ومع اختلاف الموقف، كان اختلاف النتيجة، بين سبي وتهجير وخسارة للارض، وبين نصر وتحرير وثبات فيها.

الظروف الموضوعية اختلفت، لا شك في ذلك، ولكن الظروف الذاتية اختلفت ايضا، وبدل ان يقعد ابناء الشعب ليروا ماذا تفعل الجيوش، وهل يمكن ان تردهم الى حيث هجروا، باتت الجيوش تنظر الى ما يفعله الشعب لتتعلم منه ما يمكن.

بالمناسبة، فالعدو هو العدو، ما زال كما هو لم يتغير.

بلى، لقد ازداد قوة وغطرسة، ازداد تسلحا وعددا، و”التحركات الدولية” التي دعمته قليلا في المشهد الاول، باتت تقف وراءه وأمامه وتحيطه من جميع جوانبه، لتحميه مما هو آت عليه. برغم ذلك، النتيجة اختلفت.

في معادلة كهذه، ثابتة معظم مكوناتها، يصبح المتغير الاول هو ارادة الشعب واستعداده لدفع ثمن.. دفعه على كل حال في المرة الاولى، ولكن غصبا، اما اليوم فهو يدفعه بطيب خاطر.. ويحصد ما يزرع.

المقارنة ليست مطلوبة لنفسها، وإنما لاستخلاص العبر والدروس منها، وفيها ـ بالفعل ـ الكثير من الدروس والعبر.

اليوم، ها هو الشعب الذي انتظر في المرة الاولى، يقوم ليستلهم التجربة الجديدة، يتقمصها ويعيشها، وفي كل لحظة يبرز تجلّ آخر لصورة لم تكن معهودة من قبل.

العدو.. الذي استكبر في المرة الاولى وأذل في المرة الثانية، يقف اليوم حائرا بين وجهي المواجهة.. ينتظر المرة الثالثة، وهو يعلم دائما ان الثالثة ثابتة.
محمود ريا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.