بيانات حكومة الحريري تطورت: المقاومة من الإغفال الى المقدمة

0

الجمعة 3-11-2000:

يناقش مجلس النواب البيان الوزاري لحكومة الحريري الرابعة، التي تأتي في عهد غير العهود السابقة، وفي ظروف مختلفة من هذا الجانب او ذاك، مع الظروف التي كانت سائدة خلال حكومات الرئيس رفيق الحريري الثلاث، التي امتدت من تشرين الثاني 1992 الى تشرين الثاني 1998.

الكثير من المفردات تغيرت، وكذلك المضامين، ويبدو ان ذلك عكس نفسه بوضوح على مجمل الرؤية السياسية لدى الرئيس الحريري، من دون انكار دور الظروف الذاتية (تغيّر رئيس الجمهورية) والموضوعية (تغيّر الاوضاع العامة) في حصول التعديل الملموس في اللهجة وفي «السقف» الخطابي تجاه الكثير من القضايا المطروحة على الساحة.

وفي عملية انتقائية يمكن الوقوف عند مصطلح محدد، ومراقبة كيفية التعاطي معه في البيانات الوزارية الاربعة.

وإذا كان هذا المصطلح هو «المقاومة» مثلاً، فالمراقب يلاحظ وجود تطور كبير جداً في كيفية وروده في بيانات حكومات الحريري، قد يكون وراءه تغيّر ما في رؤية الرئيس الحريري لهذا الموضوع. ولكن مما لا شك فيه ان تغيّر الظروف الذاتية والموضوعية قام بالدور الرئيسي فيه.

بالارقام، يمكن القول ان كلمة «المقاومة» لم ترد مطلقاً في البيان الوزاري الاول الذي عرضته حكومة الرئيس الحريري على مجلس النواب في 9ر11ر1992، كل ما ورد في ذلك البيان هو جملة مختصرة تقول: «ان الحكومة تتمسك بحق لبنان حكومةً وشعباً في التصدي للاحتلال الاسرائيلي، والعمل على تحرير الارض اللبنانية بكل الوسائل، استناداً الى ميثاق الامم المتحدة وشرعة حقوق الانسان».

هذا «التنصل» من إيراد كلمة «المقاومة» في البيان الوزاري الاول كانت له ظروفه، ف«الربيع» كان قادماً، ومعه أحلام السلام التي ينبغي التحضير لها ب«أجواء ايجابية» بعيدة عن اتخاذ مواقف حاسمة وواضحة.

هذا الواقع «الفاقع في وضوحه» تغيّر بشكل كبير في البيان الوزاري لحكومة الحريري الثانية، التي مثلت أمام مجلس النواب في 29ر5ر1995، حيث ظهرت كلمة «المقاومة» وإن كان من خلال «جملة مفيدة» تقول: «سنظل نصر على تنفيذ القرارات الدولية وفي طليعتها القرار 425، وسيظل حقنا في مقاومة الاحتلال من الثوابت الوطنية».

الروحية نفسها هي التي حكمت موضوع «المقاومة» في البيان الوزاري للحكومة الثالثة التي مثلت أمام مجلس النواب بعد الانتخابات النيابية في 19ر11ر1996.

فقد ورد موضوع المقاومة في فقرة متأخرة من البيان، وهي تقول: «نريد لهذه الحكومة ان تكون في مستوى التحديات الاقليمية التي تواجه لبنان والمنطقة العربية، ويندرج في ذلك التحدي الكبير الذي يلازمنا جميعاً، والمتعلق بتحرير أرضنا من الاحتلال الاسرائيلي وتنفيذ القرار 425 وتأكيد حقنا بمقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة، وهو الأمر الذي سنبقى نعتبره في اولوية الاولويات. ان لبنان ما زال يتعرض للعدوان الاسرائيلي، وهو في مواجهة ذلك يصر على حقه في مقاومة الاحتلال، ويؤكد الالتزام الوطني الثابت بتعزيز ارتباط الدولة ومؤسساتها بأهلنا في الجنوب والبقاع الغربي ودعم صمودهم بكل الوسائل المتاحة، وكذلك دعم قضية المعتقلين والاسرى في السجون الاسرائيلية وسجون لحد، وإحباط محاولات العدو الهادفة الى ربط المناطق المحتلة بمصالحه ومخططاته».

الفارق بين البيانين الثاني والثالث يتمثل في هذا التكرار لكلمة «المقاومة»، ما يوحي بمحاولة لإبرازها اكثر في البيان.

في ذلك الوقت كان لبنان لا يزال خارجاً لتوه من حرب ستة عشر يوماً (نيسان 1196)، وكانت العلاقة بين المقاومة والحكومة قد أخذت ترتسم بشكل اكثر وضوحاً وثباتاً، وهذا عكس نفسه بالطبع في البيان الوزاري.

اليوم، المقاومة حررت الارض المحتلة، وهي تواصل جهادها من أجل إزالة كل آثار العدوان الصهيوني على لبنان.. وقد وجد هذا الواقع على ما يبدو انعكاسه الطبيعي في البيان الوزاري الذي يناقشه مجلس النواب حالياً.

أول عبارة ينطلق منها البيان الوزاري تقول: «تنطلق حكومتنا اليوم على قاعدة أهم الانجازات الوطنية في تاريخ لبنان وهو انتصار المقاومة، مقاومة كل اللبنانيين للعدوان والاحتلال الاسرائيلي، وإجبار العدو على الانسحاب والاعتراف بالهزيمة».

اللهجة مختلفة تماماً، مضمون الكلام له ما بعده، وحتى موقع الكلام تغيّر بشكل جذري من فقرة في صفحات متأخرة من البيان، الى فقرة استهلالية يبنى عليها كل ما سيأتي بعد ذلك.

يضيف البيان: «ومع هذه الانطلاقة تحيي الحكومة مقاومة وصمود وصبر الشعب اللبناني عموماً، وأهالي الجنوب والبقاع الغربي خصوصاً، طوال العقدين الماضيين، نظراً لما تحملوه من معاناة وقدموه من تضحيات، مؤكدة انها ستولي عناية خاصة لتعويضهم انمائياً واقتصادياً الفرص التي بددها الاحتلال، والخسائر التي أحدثها. مع تأكيد متابعة ملف التعويضات المطلوبة من «اسرائيل» على مستوى المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية».

ليس هذا فقط، ففي البيان المزيد: «وتعتبر الحكومة ان احد اهم أهدافها هو الحفاظ على انجاز المقاومة والعمل على تثميره في كل المجالات، مع تأكيد الموقف الاسرائيلي المتمادي في العدوان على لبنان من خلال الاستمرار في احتلال مزارع شبعا واعتقال الاسرى اللبنانيين واحتلال الجولان، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حق العودة..».

لقد كان قرار المقاومة خيار الشعب اللبناني دون حكوماته التي يرأسها الرئيس رفيق الحريري، واليوم بعد انقطاع دام سنتين، وبعد تحرير الارض إلا النزر اليسير المتبقي، يبدو ان قرار المقاومة بات خيار الشعب.. والحكومة أيضاً.

محمود ريّا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.