الجمعة 27ـ9ـ 2000:
مرت على لبنان ايام كان فيه “رأس واحد” يحكم بما يرضي الناس وبما لا يرضيهم، ارادته هي القرار، والكل ملحق وتابع.
ولان هذا الرأس من لون واحد دائما، دخلت البلاد في اتون بعد خروجها من كمين، حتى حصل التغير في المعادلات، ولم يعد هناك شخص واحد حاكم بأمره يحصل على ما يريد، ثم يوزع ما تبقى من المغانم على ما يشاء من الاشخاص، سواء كانوا من لونه او من الالوان الاخرى.
ركبت “سيبة” الطائف على ثلاثة رؤوس، وبعد مرحلة تأسيسيه كان لا بد منها تمثلت بحكومات الرئيس سليم الحص والرئيس عمر كرامي والرئيس رشيد الصلح، جاءت فترة التطبيق العملي للطائف مع وصول الرئيس رفيق الحريري الى الحكم على رأس حكومة “وفاق وطني” كان هو محورها وزعيمها والحاكم فيها.
نظريا كان مجلس الوزراء هو صاحب السلطة التنفيذية، وعمليا كانت السلطة في البلد موزعة على الرؤساء الثلاثة، اما على صعيد الواقع التنفيذي على الارض فقد كان الرئيس رفيق الحريري هو الحاكم بأمره، بينما الباقون كانوا ـ الى حد ما ـ الديكور المكمل لصيغة الحكم والشركاء ـ برضاه ـ في “تحمل الاعباء الناجمة عن ممارسة السلطة”.
هذا الواقع شهد انعطافة كبيرة مع انتخاب العماد اميل لحود رئيسا للجمهورية.
لقد بقي الحاكم واحدا، ولكنه لم يعد الحريري، بل أصبح الرئيس لحود الذي حكم من داخل المؤسسات الدستورية على مدى السنوات الماضية.
اليوم نحن امام تجربة مختلفة.
نحن نكاد نصل الى مرحلة فيها حاكمان كل منهما مارس السلطة ـ بكل معانيها ـ ولا يبدو انه راغب في التخلي عما كان يملكه من قوة.
اليوم لدينا العماد اميل لحود رئيسا للجمهورية، وهو لا يزال في النصف الاول من عهده، يملك من مفردات القوة الكثير، برغم ما اصابه من سهام أُطلقت بغزارة على حكومة الرئيس سليم الحص التي تحملت ما لم يتحمله احد من تشكيك واتهامات.. وممارسات..
ولدينا ايضا “الشيخ” رفيق الحريري رئيسا للحكومة، وهو آت مع ما يختزنه انتصاره النيابي الكاسح من طاقة وقوة.
أي صيغة ستحكم هاتين الشخصيتين في الحكم؟
هل يمكن تلافي السيئات التي تنجم عن وجود شخصين قويين في مكان واحد.. ضيق؟
هل تبقى كلمات الاطراء المتبادلة التي هبطت فجأة من كل رئيس على الاخر هي التي تحكم العلاقة بينهما؟
هل سيتحمل لبنان الوضع المحرج الذي وجد فيه نفسه مع بقاء الرئيسين .. رأسين؟
محمود ريا