محمود ريا
خلال متابعة مراكز الدراسات العاملة في الصين، كانت المفاجأة.
في هذا البلد الكبير أكثر من عشرة مراكز دراسات تعنى بالشأن اليهودي، وبعلاقات الصين مع “إسرائيل”، وباليهود في الصين، وبكل ما له علاقة بما هو عبري، ثقافةً وسياسةً واقتصاداً وتاريخاً ومستقبلاً.
وتتمدد مراكز الدراسات هذه على بقعة جغرافية كبيرة جداً، متخذةً من الجامعات الكبرى في الصين مهداً لها.
فهذا معهد الدراسات اليهودية في جامعة مدينة نانكين، يقول التعريف عنه إنه درّب الكثير من الأشخاص الذين يحملون رتبة بروفسور، وهم يعلّمون الآن في مختلف أنحاء الصين. والمهم أن المعهد يملك حق منح شهادات الدكتوراه لطلابه.
أما مركز الدرسات اليهودية في شانغهاي فهو واحد من أهم المراكز الفاعلة في اختصاص “الثقافة اليهودية، التاريخ، و”إسرائيل المعاصرة”.
وهناك مدرسة الدراسات اليهودية في جامعة هينان التي تمنح شهادات الماستر، ومركز الديانة اليهودية والعلاقات بين الأديان في جامعة شاندونغ الذي نشر أكثر من سبعين كتاباً وأربعمئة وأربعين ورقة بحثية وترجم حوالي ثلاثين كتاباً في اختصاصه المتركز على “الدراسات اليهودية”، خلال حوالي عشر سنوات.
وفي السياق نفسه يأتي مركز الدراسات اليهودية والصينية في جامعة سيتشوان للدراسات الدولية، والذي يعمل على “تقديم فهم أفضل للشعب اليهودي والثقافة اليهودية في الصين” كما يقول تعريفه.
يضاف إلى هذه المراكز مركز الدراسات حول العلاقات الدولية في جامعة يوننان، ومركز اللغة العبرية والدراسات الثقافية في مدرسة اللغات الشرقية في جامعة بكين، ومركز الدراسات اليهودية في أكاديمية هيلونغجيانغ للعلوم الاجتماعية، وغيرها الكثير من مراكز الدراسات.
هل من جديد في هذه المعلومات المفاجئة؟
لا يبدو أن هناك أمراً جديداً بشكل فعلي، فالصهاينة يجدون موطئ قدم في كل مكان، فلماذا لا يكون لهم ذلك في الصين؟
يعمل العدو الصهيوني على التغلغل بهدوء وبشكل متصاعد في المجتمع الصيني، عبر الكثير من الوسائل، ومنها مراكز الدراسات، وهذا ما عبّرت عنه الصفحة المخصصة بعرض عناوين مراكز الدراسات المتخصصة بإسرائيل واليهود في الصين. وتقول هذه الصفحة “إن قطاع الدراسات اليهودية في الصين ما يزال صغيراً، ولكنه مجال يتوسع بشكل دائم”.
وليس أمراً مثيراً للدهشة القول إن الكيان الصهيوني يبذل جهوداً جبارة من أجل تنمية هذه المراكز ودعمها وتقديم كل التسهيلات لطلابها من الصينيين كي يتابعوا دراساتهم، أو كي يقوموا بدراسات تطبيقية في فلسطين المحتلة، في سياق دراساتهم في هذه المعاهد.
إنه بناء يقوم على مهل، دون ضجة، وبلا توقف، لجيل من الأكاديميين الصينيين الذين يتحوّلون إلى جزء من آلة دعائية كبرى للصهاينة في بلد المليار والنصف مليار نسمة، فضلاً عن إمكانية تحوّل هؤلاء الأكاديميين إلى موظفين ومن ثم مسؤولين في إدارات الدولة الصينية.
وهذا شيء طبيعي جداً.
الأمر غير الطبيعي موجود في مكان آخر، على الضفة الأخرى من الشرق الأوسط، عند العرب تحديداً.
أي مراكز دراسات عربية موجودة في الصين، أو تنسّق مع الصينيين، وأي جيل صيني جديد متفهّم للقضايا العربية تبنيه هذه المراكز؟
أي فرصة نضيّعها نحن العرب، بأموالنا وطاقاتنا، من أيدينا، من خلال استمرار تجاهلنا للعملاق الصيني الذي بدأ بالاستيقاظ؟
ألا يدري المتحكمون بالعالم العربي أن من يستثمر في مراكز الدراسات والأبحاث في الجامعات الصينية، هو يستثمر في مستقبل الصين، وبالتالي في مستقبل العالم ككل؟
هلاّ تعلّمنا من عدوّنا؟