خاب أمل الغرب بسيرغي لافروف.. كانوا يظنونه دبلوماسياً محترفاً، يقبل “الأخذ والعطاء” فإذا به في الأشهر الماضية يبدو كقومي يميني متطرف، لا يحسب للدبلوماسية أي حساب.
وزير الخارجية الروسي أمام “مقصلة” التقييم الغربي، ومن يقف أمام هذه المقصلة يكون قد تجاوز مرحلة إمكانية التغيّر، وصار في مرحلة التغيير.
ما نقلته إحدى الصحف اللبنانية قبل أيام حول لافروف ما هو إلا انعكاس لما هو موجود في الصحافة الغربية من صدمة تجاه الموقف الروسي من الوضع في سوريا، هذا الموقف الذي يعبر عنه لافروف بكل أمانة ووضوح.
لقد نجح لافروف نجاحاً كاملاً في تظهير “التوجه الجديد” للقيادة الروسية، حسب التعريف الغربي، ما أعطاه “شرف” التعرض لانتقاد الآلة الإعلامية الغربية التي بدأت بتوجيه السهام إليه.
أما هذا التوجه الجديد، فهو ما يشغل بال الغرب، ويثير غضبه الكبير تجاه لافروف، وتجاه سيد الكرملين الجديد، فلاديمير بوتين، وتجاه روسيا كلها.
يقوم هذا التوجه على قواعد وضعها بوتين مع مجيئه إلى الحكم، خلاصتها أن عهد روسيا اليلتسينية انتهى إلى غير رجعة، وعهد روسيا “الكامنة” بدأ بالانحسار، وجاء عهد روسيا الفاعلة، روسيا القوية، روسيا التي تقرر ما هو المناسب لها في الداخل والخارج، دون “استعانة بصديق”، وخاصة إذا كان هذا الصديق عدواً في واقع الحال.
وهنا تكمن معضلة الغرب، في أن تقرر روسيا ما تريد، في موضوع الدرع الصاروخية، وفي موضوع علاقاتها مع دول “المحيط السوفياتي”، وفي تحالفها مع الصين، وفي علاقتها مع إيران، وفي موضوع التطورات في سوريا.
إنها أزمة كبيرة للغرب، الذي افتقد روسيا البراغماتية، روسيا التي تساوم على هذا الملف أو ذاك، مقابل امتيازات هنا وهناك، وروسيا المحدودة القوة، التي لا ترفع لواء الرفض لأي مشروع غربي، وإنما تحاور وتناور للحصول على أعلى حد من المكاسب.
وحتى عندما كانت تتشدّد روسيا في موقف ما، فالغرب يعرف أن هذا التشدد هو محاولة للحصول على ثمن أعلى مقابل تنازل أكبر، يحقق لهذا الغرب مصالحه، ويؤمن لروسيا بعض الاحتياجات التي كانت تبحث عنها.
وكان الغرب يظن أن الوضع ما يزال كما هو عليه.
من هنا، ملأ المسؤولون الغربيون الشاشات، والمحللون السياسيون الصفحات، بالحديث عن مرحلة تسلّم بوتين الحكم، بعد عودته رئيساً للبلاد، مبشرين بأن الموقف الروسي تجاه سوريا، وتجاه إيران سيتغير، لأن بوتين سيفاوض، وسيقبض ثمناً ما، وسيغيّر وجهة الأحداث.
وقد حصل ما توقعه الغرب، ولكن بصورة معكوسة: لقد تغيّر الموقف الروسي، باتجاه مختلف تماماً عن ذلك الذي ترغب به الكواليس الدبلوماسية الغربية، وانتقل التشدد الروسي من كونه رغبة في تحقيق مصالح روسية استراتيجية، إلى كونه تعبيراً عن إدخال موضوع سوريا في صلب السياسة الروسية الاستراتيجية، ما يعني أنه موضوع بات خارج إطار التفاوض، وبعيد عن المساومة، ولا مجال فيه للأخذ والعطاء.
إنها نكسة حقيقية للغرب، نكسة يعبّر عنها كل يوم بشكل جديد، ولعلّ آخر هذه الأشكال هجومه المباشر على وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وهكذا بات الرجل، الذي كان شيوعياً ثم جهد لكي يتحول إلى “ديبلوماسي معاصر”، مجرد قومي يميني متطرف!
إنه ليس لافروف الذي تغيّر، بل هو كل الموقف على مستوى العالم، وعلى الغرب الذي راهن كثيراً في السابق على رشوة روسيا أن يوطّن نفسه للتعامل مع روسيا جديدة، روسيا فخورة بنفسها، قادرة وثابتة، يقودها قاهر للصعاب، لا سكّير طيّع ليّن لا يميّز بين ليل ونهار، ولا بين موسكو وواشنطن.