محمود ريا
24-5-2012 ـ
كل حدث يترك آثاراً جانبية، فضلاً عن الأثر الرئيسي الذي يكون له.. وفي بعض الأحيان تكون الآثار الجانبية غير منظورة، أو غير متوقعة، أو غير محسوبة النتائج.
إذا تجاوزنا الأثر الرئيسي لعملية اختطاف الزوّار اللبنانيين في منطقة حلب، بانتظار “الفرج” المتوقع في أي لحظة، فإن بعض الآثار
يستوقف المتابع لما يحصل في هذا الموضوع، ويعطي إشارة واضحة لمسار معيّن في تفكير تيارات سياسية موجودة على الساحة اللبنانية.
من هذه الآثار مثلاً محاولة الإنكار، ومحاولة رمي التهمة على طرف آخر.
لم تكن هذه محاولة فردية أو تصرفاً عفوياً، وإنما كان واضحاً أنها ناتجة عن قرار.
منذ الدقائق الأولى لعملية الخطف، خرجت “آلة الإعلام المعهودة” بفرضية عملت على رفعها إلى مستوى المسلّمة التي لا تقبل الجدل:
ليس “الجيش السوري الحر” هو الذي خطف الزوّار.
في محطات التلفزة وفي الإذاعات وعلى مواقع الإنترنت كانت كلمة السر انتشرت: ليس “الجيش السوري الحر” من فعل ذلك.
بعد ذلك بفترة جاءت كلمة السر الأخرى: النظام هو من قام بهذه العملية من أجل تحقيق أهداف كبيرة وكثيرة.
بعد ذلك بدأت الاتصالات على “الشاشات المعروفة” تتوالى من قياديي الجيش المذكور، وكلّها تحمل تنصلاً من هذه العملية، ورمياً لها في ملعب النظام السوري.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى حد تجرؤ سياسيين، نوّاباً وغير نوّاب، على الجهر بهذا القول، وعلى تحميل النظام مسؤولية ما حدث، “بهدف بث الفتنة واستكمال مشروع التوتير”، وما إلى ذلك من اتهامات.
لم يترك هؤلاء مجالاً لأي احتمال آخر، لا بل بدأوا بالتشكيك في مواقف الناس المكلومين بفقد أحبّتهم وأبنائهم، وأخذوا يتهمونهم بالانسياق
في إطار “المشروع”.
لم يكن ينقص هؤلاء سوى أن يتهموا المختطَفين بالتواطؤ مع الخاطفين، لا بل بالذهاب معهم بكامل إرادتهم، فيما أن عشرات النسوة اللواتي رُوّعنَ وشُرّدنَ عن مسارهنّ كدنَ أن يتحوّلنَ إلى “ممثلات ماهرات” لحالة التفجّع والأسى التي شاهدها العالم كله على وجوههنّ وهنّ عائدات من حلب إلى بيروت على متن طائرة قامت برحلة استثنائية لنقلهنّ.
اليوم (الخميس)، وبعد طول تهرّب، يخرج “ضابط من الجيش الحر” ليعلن بالفم الملآن ودون أي مواربة مسؤولية جماعته عن اختطاف
الشباب الأحد عشر.
وإزاء هذا الاعتراف، لم يعد ينفع أي إنكار، ولا حتى ينفع النفي الملحق والتبرؤ اللاحق من الضابط المعترف بالمسؤولية عن العملية.
فإذا كان الجيش الحر لا يعترف بالجيش الحر، وإذا كانت حالة الخلاف والشقاق بين “كتائب” هذا “الجيش” وصلت إلى حد عدم اعتراف إحداها بالأخرى، فهذا لا يُعفي “الجيش الحر” بكل تناقضاته من المسؤولية عمّا حصل.
وبغض النظر عن معنى ذلك فيما يتعلق بمصير المختطفين، فإن ما يجب التركيز عليه هو موقف أولئك اللبنانيين الذين سخّروا كل إمكانياتهم لتبرئة “الجيش الحر” مما اعترف بارتكابه “الجيش الحر”.
لقد انتهت حملة إعلامية أخرى إلى الفشل، وظهرت الحقيقة مرة أخرى واضحة نقيّة، وتعرّض هؤلاء إلى خيبة قد تعلّمهم كيف يصوغون حملاتهم مرة أخرى، وقد لا تنفع.. وهذا هو الأرجح.
محمود ريا