محمود ريا
26-02-2012
تتكاثر الأخبار التي تتحدث عن إلقاء القبض على عشرات الأجانب في مدينة حمص، ولا سيما في حي باب عمرو، حيث استطاعت السلطات السورية تحقيق الكثير من الإنجازات الميدانية في مواجهتها مع المسلحين الذي كانوا يتمترسون في الحي.
وبالرغم من أن الأخبار في هذا المجال بلغت حد التواتر، فإن المراقب الموضوعي يبقى بانتظار تأكيد رسمي لهذه الأخبار كي يبني عليها قراءات لتداعياتها على المستويات المحلية والإقليمية والدولية على حد سواء.
السلطات السورية تتمهل في الإفراج عن المعلومات الرسمية المتعلقة بأصل اعتقال هؤلاء، فضلاً عن الكشف عن جنسياتهم والدول التي قدموا منها. وفي هذا التمهّل الكثير من الحكمة، وكذلك الكثير من الدلالات التي تشير إلى رباطة جأش وإمساك بالتفاصيل وقدرة على التحكم بمسار الأمور، لأن التروّي في نشر أسماء المعتقلين وانتماءاتهم يعني أن السلطات ليست بحاجة إلى هذه الأوراق في مواجهتها لما تعيشه سوريا من تطورات، وبالتالي هي ليست بحاجة لحرق هذه الأوراق واستهلاكها في سبق إعلامي لا يلبث أن يخبو بعد ساعات أو أيام.
وبغض النظر عن مدى دقة المعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية عن المعتقلين، وعن الأجهزة التي ينتمون إليها، وحتى عن الجيوش الذين ينتظمون في تشكيلاتها، فإن ما لا شك فيه أن هناك صيداً ثميناً، هو أكثر من طريدة، ومن أكثر من لون، بات في قبضة السلطات، حسب ما توحي به تسريبات واردة من مقربين من القيادة السورية، كما أن معالجة أمر هؤلاء المعتقلين يتم بهدوء ودون جلبة ومع الجهات المعنية.
وحتى ولو لم يصرّح المسؤولون في دمشق عما بات بحوزة الأجهزة الأمنية من طرائد، فإن ما يقوم به أعداء النظام في سوريا كافٍ لتكوين صورة أولية عمّا يحدث على الأراضي السورية من تدخلات أجنبية، من عرب وعجم، بهدف دعم الحركة المناهضة لهذا النظام والانخراط في نشاطاتها المتنوّعة، عسكرياً وأمنياً وإعلامياً وتعبوياً.
فمن نعي المقاتلين الليبيين الثلاثة الذين قُتلوا في حمص، إلى زف قبيلة كويتية لاثنين من أفرادها قتلا في ريف دمشق، إلى مقتل الصحافيين الأجانب الذين دخلوا إلى حمص بطريقة غير شرعية، إلى ما نشرته شبكة “فولتير.نت” الفرنسية عن اعتقال ضباط مخابرات فرنسيين على الأراضي السورية، كل هذه المعطيات تجعل الأخبار الواردة من مصادر قريبة من النظام ـ عن اعتقال ضباط استخبارات أتراك وفرنسيين وقطريين وغيرهم ـ أمراً يتجاوز دائرة الاحتمال ليدخل في دائرة الترجيح، إن لم يكن تخطاها أيضاً إلى دائرة تأكيد الحصول.
إن أوراقاً كهذه التي ينتظر الكشف عنها في الوقت المناسب هي مكتسبات مهمة لمصلحة القيادة السورية في معركتها مع الغرب والموالين له من العرب. ومع ما هو مشهور عن هذه القيادة من طول أناة وهدوء في التعامل مع الأوراق التي بين أيديها، فإن الأيام المقبلة قد تشهد العديد من المؤشرات، التي يمكن اتخاذ عودة السفير الفرنسي المفاجئة إلى دمشق نموذجاً لها.