الجمعة 29/09/2000 :
يسود هذه الايام جو من الوئام الظاهري بين “القوى المسيحية” في لبنان، وينطلق الحديث على عواهنه عن التحالفات، لا بل عن الاندماج، فيطالب القواتيون بعودة ميشال عون، بينما يهتف العونيون بالافراج عن سمير جعجع.
هذه الصورة ليست في حقيقتها تظهيرا لواقع الحال في الشارع المسيحي، ولا هي تعبير عن مشاعر حقيقية تعم هذا الشارع وتغمر قياداته ومسؤوليه، وإنما هي مجرد كلام لا اكثر ولا اقل، كما تؤكد الشواهد.
في زيارة لموقع القوات اللبنانية على الانترنت WWW. Lebanese forces. Org يمكن تلمس حقيقة هذه المشاعر، والوقوف بصدق على ما تكنه القوات من “حب” للرئيس الاسبق امين الجميل، ولقائد الجيش الاسبق ايضا العماد ميشال عون.
وليس في هذه الزيارة نكء للجراح او استرجاع لأدبيات الحرب، في مرحلة ينبغي فيها ان تدفن هذه “الادبيات” الى الابد، فما يحويه هذا الموقع في زاوية “موجز تاريخي” عن القوات اللبنانية مكتوب في آب عام 1999 كما هو ظاهر في بداية المادة، أي انه يعبر عن اصرار قواتي على تبني كل حرف فيه.
بكل وضوح يصف “الموجز التاريخي” مرحلة سنوات 1982 ـ 1985 بأنها مرحلة الانحطاط ويقول:
“وكان من الطبيعي ان ينعكس غياب بشير الجميل تضعضعا في صفوف القوات اللبنانية التي حاولت التقاط انفاسها بعد “استشهاده”، فيما سعى الآخرون وعلى رأسهم الرئيس امين الجميل (الذي خلف شقيقه في سدة رئاسة الجمهورية)، الى جعلها تلفظ انفاسها عبر التآمر عليها وزجها في اتون من المعارك والحروب العسكرية (في الجبل والشحار والاقليم وشرق صيدا)، وعبر ممارسة ضغوط سياسية شتى عليها لإضعافها او استيعابها”.
وبعد استكمال سرد المراحل التاريخية للازمة اللبنانية من وجهة نظر القوات، يصل “الموجز التاريخي” الى العام 1988 فيقول: “وكان استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية العام 1988 فرصة سانحة للرئيس امين الجميل ليزرع بذور معركة داخلية في المناطق الشرقية المسيحية، عبر احداث فراغ مقصود وتعيين حكومة عسكرية انتقالية في ربع الساعة الاخير من عهده برئاسة العماد ميشال عون، بتاريخ 21 ايلول 1988”.
بهذه الكلمات “تغازل” القوات الرئيس امين الجميل قبل سنة واحدة، وهي كلمات تعبر عن “تقدير كبير” للدور الذي قام به في الشارع المسيحي، الا ان تقدير العماد ميشال عون اكبر على ما يبدو مما سيأتي.
يقول “الموجز التاريخي” عن القوات اللبنانية في استعراض مختصر لمرحلة حكم ميشال عون في المنطقة الشرقية:
“وكان هذا التعيين ـ تعيين الجميل لعون رئيسا للحكومة الانتقالية ـ بمثابة نحر مقصود لكل ما انجز مسيحيا في اقل من ثلاثة اعوام، خصوصا ان عون الطامح الى السيطرة على مقدرات البلد من دون رؤية او مشروع (عدا مشروع السلطة)، نقل المناطق المسيحية بسرعة الى دائرة العنف والحرب من جديد، إن من خلال معارك 14 شباط 1989 المحدودة بين الجيش بقيادته والقوات اللبنانية، او من خلال ما اسماه “حرب التحرير” ضد السوريين، التي كانت حربا من دون افق، وفي ظل ظروف اقليمية ودولية غير مشجعة لإطلاقها.. ودخل المسيحيون من يومها ذروة المأزق او عنق الزجاجة. وكانت القوات اللبنانية وسط حلقة الموت الجماعي هذه تحاول ابعاد كأس الاقتتال السياسي الداخلي، والمساعدة على منع الاطباق العسكري الخارجي. ان كل ارتكابات عون هذه ادت الى صنع اتفاق الطائف في 24 تشرين الاول 1989، وفي ظل اصطفاف فريد من نوعه للعوامل الاقليمية والدولية (اللجنة الثلاثية والمبادرة السعودية).
وتجدر الاشارة الى ان عون لم يكن فقط صانع ظروف الطائف، بل انه وافق على آلية وقف اطلاق النار من خلال ورقة النقاط السبع التي خرجت بها اللجنة الثلاثية، كما بارك خطوة انتقال النواب اللبنانيين الى الطائف في السعودية، وعاد وانقلب عليهم عندما أيقن انه لن يكون رئيسا للجمهورية”.
هل هذا هو كل شيء؟
كلا، فهناك المزيد من هذا المديح لدور عون في الحرب اللبنانية.
يقول “الموجز”:
“ومع انطلاق الافق السياسي لدى عون وما يعتمل داخله من حقد على القوات اللبنانية، ارتد في 31 كانون الثاني 1990 لينحر ما تبقى من امكانية صمود داخل المجتمع المسيحي، ويقوم بحرب الالغاء على القوات اللبنانية. هذه الحرب التي تحولت مع الوقت حرب استنزاف كانت السلطة اللبنانية التي انبثقت عن الطائف برئاسة الياس الهراوي (هكذا) بعد اغتيال الرئيس رينيه معوض، المستفيدة الاولى منها. لقد غيرت حرب الالغاء هذه التوازن الداخلي، ملحقة بذلك خللا كبيرا في الاسس التي بني عليها اتفاق الطائف”.
نترك “الموجز” يكمل سرده لرؤية القوات اللبنانية المحظورة حول الاحداث اللبنانية، لنتساءل: هل هذه هي رؤية العماد ميشال عون للاحداث؟ وهل يمكن ان تشكل هذه الر ؤية لما حصل قاعدة لتوحيد النظرة الى المستقبل؟ وهل يمكن بعد هذا، الحديث عن وحدة الشارع المسيحي؟
نترك الاجابات لوقتها، لنشير الى ملاحظة أخيرة وأساسية، وهي ان القيمين على موقع القوات اللبنانية على الانترنت، يشددون على ان هذا الموقع هو( الوحيد الذي يحمل الصفة الرسمية، ويعتبر ناطقا رسميا باسم القوات).
محمود ريا