تشكيل

0

الجمعة 29/09/2000
منذ صغري وانا اتساءل: ما الرابط بين الفنون التشكيلية، وتشكيل الحكومة؟

ما الذي يجمع بينهما، اين يلتقيان واين يفترقان؟

لا ازعم انني وجدت اليوم الجواب، فما زلت محتارا امام توحد اللفظة بين هذا التشكيل او ذاك، مع البون الشاسع الذي يفصل بين السياسة بما هي الاعيب ومناورات، والفن بما هو ابداع.

ربما يجمع بين الاثنين التعريف المشهور للسياسة بأنها فن الممكن، ولكن شتان بين فن يقوم على  المساومات والتسويات، وفن اساسه قناعة من يقوم به بما يفعل، دون تدخل من هنا او هناك.

تبدو الحكومات المشكلة دوما عبارة عن لوحات، تكون في اغلب الاحيان فسيفسائية، الحدود بين جزئياتها واضحة ونافرة، اذا اقتربت منها لم تستطع ان ترى المشهد العام، واذا ابتعدت، استغرقتك الصورة فتضيع عن الجماليات في التفاصيل.

اما اذا كانت هذه الفسيفساء مركبة خبط عشواء، دون قواعد ناظمة واليات موزونة فإن ما تراه لا يكون الا رصف حجار.

اللوحة التشكيلية غير ذلك، انها وحدة في تنوع، وتفاصيل متناسقة تكوّن مشهدا عاما متآلفا، والصورة في النهاية منظر شديد الروعة، طبعا بقدر ما يكون الرسام ماهرا ومبدعا.

طوال عقود، نعيش في لبنان اجواء تشكيل الحكومة على وقع قرقعة الحجارة التي تتضارب فيما بينها، ويبحث كل واحد منها عن موقع له في اللوحة الفسيفسائية، بغض النظر عن موقع هذا الموقع وحتى عن حجمه ومدى تأثيره.

متى يقترب تشكيل الحكومة من تشكيل الفن، وتصبح هذه الحكومة لوحة متناسقة حتى يكون لها معنى ويمكن الحديث عن قيمتها؟

ام انه تهويم حالمين في بلد اسوأ ما فيه احلام القائمين عليه؟

محمود ريا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.