الجمعة 22/09/2000 :
لم يدخل الاقتصاد شيئا والا وأربكه. كانت المقولة المشهورة ان السياسة هي التي لا تدخل شيئا الا افسدته.
في لبنان صارت السياسة نفسها ضحية. كذلك هو الامن، وحتى الاقتصاد نفسه صار ضحية للتدخل.
لا حديث اليوم في لبنان عن ثوابت، لا بحث في رؤى مستقبلية، لا خوف على المصير وعلى الكيان وعلى الهوية.
كل الخوف، كل البحث، وكل الحديث عن الاقتصاد.
اذا طرح الوضع في الجنوب، يتصدر الحديث موضوع الدول المانحة وكيفية انماء المنطقة المحررة، واللعب الاميركي على الحبال الاقتصادية لتحقيق اهداف سياسية.
واذا دار النقاش حول شخصية رئيس الحكومة المنتظر، فلا احد يسأل عن خطه السياسي او رؤيته لموضوع الصراع مع العدو الصهيوني او كيفية تعاطيه مع القضايا السياسية المطروحة على الساحة.
كل ما يطرأ على بال السائل هو: ما هو مشروعه لحل الازمة الاقتصادية في البلاد، كيف سيعمل على تخفيف المديونية، انطلاقا من أي معايير سيرفع الايرادات ويخفض النفقات.
واذا جرى تقويم للمراحل السابقة، ولا سيما منذ بداية العهد الحالي، فان المراقبين يتناسون الانجازات، لا يتحدثون عن تحرير الجنوب ومن ثم الاصرار على تحرير اجزاء كبيرة مما تبقى محتلا، ولا يتطرقون الى الصلابة في مواجهة الضغوطات والشروط المشبوهة المفروضة من الخارج.
المقياس الوحيد الذي يعتمد عليه لتقويم هذه المرحلة هو: اين نجحت الحكومة في الاقتصاد، واين فشلت؟
وعند تناول الازمات التي تمر بها البلاد، لا يسال احد عن الطائفية السياسية والتصدع الوطني والخلافات الدستورية.
الازمات هي فقط عجز الاقتصاد وتفاقم البطالة وانخفاض معدل النمو وغير ذلك من المشاكل.
لقد تحول البلد الى انعكاس الاقتصادي، لا بل ان الاقتصاد تعملق وتضخم ليصبح هو البلد بذاته، فعندما تتحدث عن هذا انت تقصد ذاك، والعكس بالعكس.
هذه المماهاة بين البلد واقتصاده لها بعض ما يبررها، ولكنها من جهة تهدد بأخطار كبيرة، اهونها نسيان مشاكل مفصلية تهدد وجود لبنان او على الاقل تهدد الصيغة التي قام عليها.
ازمات البلد اكبر من ازمة اقتصاده، ومشاكله، ما يعانيه الاقتصاد هو بعضها، وعلى من يطرح نفسه مسؤولا عن المرحلة المقبلة ان ينتبه لهذا وذاك، قبل ان يفاجأ ويتفاجـأ معه اللبنانيون بما لم يكن يتوقعونه، او لم يكن يلقون له بالا.
بالمقابل، فأن يكون هناك ازمات اخرى في لبنان لا يعني ايضا تغييب الازمات الاقتصادية والبحث عن حل لمعالجتها، لانها تمس المواطن بصميم حياته اليومية وتؤثر عليه بشكل مباشر.
(ولاهمية هذا الموضوع خصصت “العهد” له ملفا يتناول كل جوانبه وانعكاساته الامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.)
محمود ريا