مسيرة المقاومة الإسلامية: البدايات التي قادت إلى النصر العظيم

0

كان الأفق أسود، غيوم الحقد تلوح من بعيد، عويل آلة الحرب يُسمع من كل صوب، إنه العدو قادم، إنه الموت قادم .

ظن المتخرّصون أن لا قلب يجرؤ على رفض “القدر” الزاحف، وأن لا يد يمكن أن تمتد إلى سلاح. ولكن هذه الأرض التي تشرّبت حب الحسين والشهادة وكربلاء، كانت حبلى ببذور الرفض، ومترعة بكؤوس الشوق للوقوف بوجه عدو ظالم، وقول كلمة الحق.. إطلاق الرصاصة ـ الحق .

كانت العمامة السوداء تتوقد نوراً لمواجهة السواد المتخم بالجور والغطرسة، وكان الانتصار الكبير الذي تحقق قبل سنوات على يد ذلك السيد الجليل يطرح وشاح عز في كل الأركان.

منذ زمن قال ووعت كل الأسماع، تفتّحت كل القلوب، وفهمت كل الأذهان .

“إسرائيل غدة سرطانية يجب أن تزول من الوجود”.. قالها وهو يرنو بعينه إلى شباب ينظرون إليه بشغاف القلب، ينتظرون تلك الفرصة التي لا تتكرر كي يكونوا طليعة المحققين لهذا النداء ـ الوعد .

باكراً وعوا، وباكراً بادروا، فكانت الإرهاصات الأولى لنور يتجلى كل يوم، ويزداد تألقاً على مدى الأجيال .

إنها المقاومة التي كانت بذورها تُرمى في أرض خصبة مع فجر الانتصار، وبدأ نبتها بالظهور ليواجه ذلك العدو الغاصب، حتى كان القطاف تحريراً لمعظم الأرض، وانتصاراًً تفخر به الأمة على كل الأمم.

هي مسيرة طويلة بمشاقها، جميلة بعطائها، مزهرة بنتائجها، والخير العميم في قادم الأيام .

إنها المقاومة الإسلامية، تلك التي يأخذ كل الناس العبر من انتصاراتها، تحتفل اليوم بعيد جديد للنصر والتحرير .

كيف انطلقت هذه المقاومة؟ من أي بيئة كان بزوغ شمسها؟ وكيف استطاعت أن تقف في وجه العدو الصهيوني لتذيقه هزيمة ما كان يتوقع أن يرى مثلها على مدى التاريخ؟. .

البدايات الأولى في قراءة لأحد القياديين الذين رافقوا المسيرة منذ البدايات ولا يزالون يحتضنون تفاصيلها في رموش العيون.
محمود ريا

مرت سنون والقلوب تهفو إلى ذلك السيد المقيم في جمران، همه ما يجري على تلك الأرض التي دعا طويلاً الى مساندة أهلها من أجل تحرير أنفسهم من الاحتلال الصهيوني البغيض.

كانت كل كلمة يطلقها ذلك القائد العظيم تجد صداها في جبل عامل والبقاع والضاحية وبيروت، يستمع إليها محبون يعشقون درب الشهادة الذي اختطه الإمام الحسين عليه السلام، ويبحثون عن تلك اللحظة التي يلبون فيها نداء إمامهم لمقاتلة العدو اللئيم.

كان الإمام الخميني  (قده) يقول ويعيد، وهنا كان الإمام السيد موسى الصدر (أعاده الله) يقول كلاماُ غير بعيد عن مقاتلة “إسرائيل بالأسنان والأظافر.. واللحم الحي”.

حصل الاجتياح الصهيوني عام 1982 ليوقظ من كان نائماً من الناس، وليذكرهم بالدعوة التي وجهت إليهم لقتال “إسرائيل” وهي على الحدود، فإذا بها تصل إليهم حيث هم، ولا سيما على أبواب بيروت.

كان الذين أُشبعوا بحب الإمام الحسين(ع) والسائرون على خط الإمام الخميني والإمام الصدر بانتظار الفرصة التي تسمح لهم بلقاء العدو وجهاً لوجه، بعدما عرفوا الكثير عن جرائمه ووحشيته وأطماعه ومشروعه الذي لا يمكن السماح له بالتحقق بأي حال من الأحوال، وجاء الاجتياح الصهيوني واندفاع قوات الاحتلال إلى كل لبنان لتضع المعركة في إطارها العملي، ولتبدأ مرحلة جديدة من التاريخ، حيث تحققت الفرصة الإلهية التي كان المؤمنون بخط الجهاد ينتظرونها منذ زمن طويل.

هؤلاء المؤمنون يعرفون ماهية نظرة الإمام الخميني الى الكيان الصهيوني، وهو الذي كان يؤكد منذ انتصار الثورة الإسلامية، حتى منذ ما قبل ذلك الانتصار، وجوب قتال العدو الصهيوني، وقد وجه عشرات الخطب للمسلمين في لبنان تحديداً تحتوي دعوة مباشرة لمواجهة هذا العدو.

لم يأتِ انطلاق المقاومة الإسلامية رد فعل على الاجتياح الإسرائيلي.

المقاومة موجودة بالقوة من خلال فكر الإمام الخميني ودعوته الى مقاتلة “إسرائيل”، ومن خلال وجود أشخاص يتبنون هذا الفكر ويفتشون عن الفرصة الملائمة لتطبيق ما يؤمنون به وما يلتزمون به.

جاء الاجتياح الإسرائيلي فرصة لتطبيق هذا الإيمان وهذا الالتزام.

الاجتياح.. المواجهة

عند حصول الاجتياح تقطعت السبل بالناس، فمن كانوا في الجنوب باتوا غير قادرين على التحرك فيه، والذين كانوا في بيروت لم يعودوا قادرين على الذهاب الى الجنوب من أجل قتال العدو الذي يتقدم، برغم أن البعض قد حاول بالفعل القيام برحلة محفوفة بالمخاطر للوصول الى خطوط الجبهة.. لكن لم ينجح.

هذا الواقع رفع الاستعداد النفسي لدى هؤلاء الأشخاص وحفّزهم لمواجهة العدو، وهم يملكون السلاح.. وهكذا، فإن الذين يريدون القتال باتت الفرصة قريبة منهم لتحقيق هذه الإرادة.

هؤلاء المؤمنون كانوا متحفزين وجاهزين لأي طارئ ويحملون السلاح، وينتظرون الفرصة التي تساعدهم لمواجهة العدو، وجاءت هذه الفرصة عندما نفذ جيش الاحتلال (الإنزال) في منطقة خلدة.

عندما نفذت قوات الاحتلال إنزالها في خلدة، بدأت القوى العسكرية الموجودة في بيروت بإعداد تجهيزات واستعدادات ميدانية لمواجهة غزو العاصمة بعد معارك خلدة.

بعد معركة خلدة

حصلت معركة خلدة وتمكن المجاهدون خلالها  من إبادة القوة التي نزلت الى الأرض وأسر جثث جنود العدو، وأخرجوا الملالة سالمة الى منطقة الأوزاعي، وأكدوا عدم انتمائهم الى أي تنظيم، وأنهم الخمينيون أو أتباع الإمام الخميني.. (تفاصيل المعركة في موضوع آخر داخل هذا العدد).

بعد انتهاء هذه المعركة المشرّفة التي تمكنت فيها مجموعة قليلة من السير بعكس التيار السائد والوقوف في وجه جيش العدو وتكبيده خسائر فادحة، تغيّرت الأجواء التي كانت سائدة، والتي كانت ترى في منطقة خلدة منطقة ساقطة عسكرياً لا أحد يريد القتال فيها.

خرجت الصحف والمجلات تتحدث عن المواجهة وعن أسر الملالة وعن الذين خاضوا المواجهة، فتحوّلت منطقة خلدة بالنسبة الى الذين يريدون قتال “إسرائيل” الى النقطة التي تجمع هذه الطاقات.

هناك بدأ التجمع لكل الذين يريدون مقاتلة العدو الصهيوني، حتى أولئك الذين لا  ينتمون إلى أي تنظيم أو تشكيل عسكري موجود على الساحة .

لم يعد قتال “إسرائيل” هزيمة وموتاً، لقد حوّلت المواجهة تلك القتال الى انتصار، فانقلب الناس من حال الى حال، وصارت منطقة خلدة قبلة الشباب المتحمّس.. وغصّت بالمقاتلين.

وجود المقاتلين في منطقة خلدة خلق نوعاً من التواصل بينهم، وصار الوضع شبيهاً بما يُتعارف عليه اليوم باسم “المرابطة”، وامتدت نقاط الحراسة من البحر الى خلدة حتى الشويفات في الجبهة الجنوبية المواجهة لقوات الاحتلال.

في هذه المرحلة بدأت قوات الاحتلال بتنفيذ عمليات قصف عنيفة على منطقة خلدة، لكنها لم تقم مرة أخرى بأي عمليات بحرية أو برية بعد الإنزال الأول الذي أدى الى كارثة عسكرية بالمفهوم الميداني.

خلال عملية القصف التي ترافقت مع غارات جوية، استهدف طيران العدو ملجأ يتمركز فيه عدد كبير من المقاتلين، ما أدى الى استشهاد عدد منهم وجرح عدد آخر.

هذه الغارات دفعت إلى اتخاذ بعض إجراءات الحيطة، وبدأ عدد المقاتلين يقل عما كان عليه سابقاً، وصار الانتشار يقتصر على بعض التجمعات الصغيرة، وعلى رأس الموجودين أولئك الذين يملكون الروح الاستشهادية.

لم يتقدم الصهاينة على الخط الساحلي، وإنما بدأوا باتخاذ مواقع ثابتة، وكادت الأمور تتحول إلى مواجهات محاور ثابتة، عندها حوّل المجاهدون حركتهم باتجاه الهجوم وقرروا القيام بعمليات مفاجئة ضد مواقع العدو التي أقيمت في منطقة خلدة.

ونفذ المجاهدون عمليات إغارة ليلية على المواقع الصهيونية المتقدمة وهاجموا قوات العدو، ودارت اشتباكات أكثر من مرة وفي عمليات مميزة، ما أدى إلى إصابة عدد من جنود العدو، كما جرح عدد من الإخوة المجاهدين.. كانت هذه العمليات مفاجئة للاحتلال الذي كان ينتظر أن يفر الجميع من أمامه، فإذا بمقاتلين يهاجمون مواقعه التي يتمركز فيها.

بعد هذه العمليات حاولت قوات الاحتلال التقدم عبر الطريق الساحلية، ولكن التصدي لهذه المحاولات كان قوياً جداً، ما دفع قادة العدو إلى استخدام تكتيك الالتفاف من خلال التقدم عبر المواقع الجبلية، ودارت معارك عنيفة بين القوات المتقدمة والقوات الموجودة في تلك المنطقة استمرت أكثر من عشرين ساعة، ووصلت إلى خلدة من منطقة بشامون بعد مواجهات عنيفة مع القوى العسكرية الموجودة هناك.

تشكّل الخط الدفاعي

بعد انتهاء معركة خلدة رجع المقاتلون الى الوراء، الى الأوزاعي، برج البراجنة والليلكي.

المواجهات التي حصلت في خلدة وما تلاها من تطورات، بدأت ترسم أجواءً تغيّر ما في خارطة القوى الموجودة.

الشباب الذين كانوا مندفعين لقتال العدو قبل الدخول الإسرائيلي، والذين كان الإمام الخميني رمزاً وملهماً لهم، التزموا العمل على تدعيم هذا الخط الدفاعي والبقاء في نقاطه العسكرية المختلفة.

بعد “المرابطة” طوال الوقت في خلدة، صار هؤلاء الشباب الذين أضحى عددهم بالعشرات، أكثر التحاماً في ما بينهم.

توزع هؤلاء الشباب ومن انضم إليهم بعد ذلك على خط المواجهة مع العدو الممتد من الأوزاعي إلى منطقة المرفأ في الأوزاعي، وقفوا وصدوا أكثر من محاولة اقتحام نفذها جيش العدو، وكذلك في البرج، الكوكودي، الليلكي وحي السلم.

كان المجاهدون الأوائل يدورون على المساجد، يشرحون أخطار المواجهة مع العدو ويسألون: من يريد قتال “إسرائيل”؟..

وهكذا تحول المسجد إلى مركز الاستقطاب الأول للتواصل مع أولئك الذين يرغبون بالمشاركة في مواجهة العدو، إضافة إلى دوره في تأمين الأجواء الروحية المرتكزة على الجهاد في سبيل الله.

هؤلاء الشباب كانت لديهم احتياجات على صعيد التموين والتسليح والتبديل بين الشباب، هذه الحاجات اللوجستية فرضت وجود تواصل بين مختلف المجموعات وتأمين إدارة معينة للاهتمام بهذا الجانب، ما أدى إلى تشكيل بنية هرمية تتولى معالجة كل ما تتطلبه إدارة هذا الجانب من جهود.

ومقابل هذه الجهود كان هناك البعض ممن يهتمون بمتابعة مباريات كأس العالم في كرة القدم التي كانت تجري في ذلك الحين.

نشوء المقاومة

مما لا شك فيه أن المقاومة التي واجهت العدو الصهيوني عند اجتياحه للبنان لها عدة جذور، حسب المنطلقات الأيديولوجية والسياسية للفصائل المقاومة.

أما عندما يطرح السؤال: كيف تشكلت نواة المقاومة الإسلامية، فيمكن القول إن المقاومة تشكلت من حكم شرعي والتزام بحكم الإمام الخميني وقوله وفتواه وقراره، ولذلك فهي ليست حركة ظرفية من أجل تحقيق أمور آنية، أو رد فعل على حدث محدد، وإنما هي حركة عبادية تقوم على أساس الحكم الشرعي الذي أطلقه ولي أمر المسلمين الإمام الخميني، هذا الحكم الذي يحمل الدافع الديني والنفسي لمقاومة الاحتلال الصهيوني.

هذا الالتزام الذي أبداه المؤمنون وجد تطبيقه في فرصة المواجهة في خلدة التي جعلت الالتزام يترجم عملاً على الأرض.

وهذا التفاني منهم جعلهم محط آمال كل من يريد مقاتلة العدو من المقاومين بمعزل عن انتماءاتهم.

وشكلت الظروف الميدانية الخط الدفاعي عن بيروت ابتداءً من بحر الأوزاعي وصولاً إلى بحر المرفأ، حيث عاد أبناء العاصمة إلى مدينتهم لاستكمال خط الجبهة.

هذا الانتشار الكبير فرض على الكوادر المميزة في العمل والذين أثبتوا قدرة فائقة على التحمل والتعامل مع التطورات، تحمل مسؤولية إدارة العمل، وبقوا على هذا الخط في المقاومة الإسلامية، فمنهم من استشهد وكان من الشهداء المميزين، ومنهم من لا يزال يواصل دوره الجهادي في مواجهة العدو الصهيوني.

في هذه المرحلة كانت قوات حرس الثورة الإسلامية قد وصلت الى منطقة البقاع، فحصل التواصل بين هذا التشكيل الميداني الذي قام على أرض المواجهة والإخوة في الحرس.

وفي موازاة هذا التواصل بدأ التحرك الشعبي يأخذ أشكالاً مبشّرة :الأهالي يحثون أولادهم على الالتحاق بالمرابطين على خط المواجهة، شباب يبتكرون الوسائل للوصول من المناطق المختلفة، ولا سيما من البقاع للمشاركة في المواجهة في بيروت وحتى في الجنوب، ليبدأ التعبير الذي أخذ مصداقيته من دماء مئات الشهداء: الخزان البشري للمقاومة.

مرحلة العمليات الأولى

بقي حصار بيروت نحو ثمانين يوماً، كانت كافية لصهر الإخوة معاً، وكل من بقي في ساحة المواجهة تميز بالثبات والصمود برغم كل الصعوبات.

وخلال الحصار كانت هناك مرحلة أخرى ترتسم معالمها.

أثناء حصار بيروت عمل المجاهدون على سحب ما يفيض عنهم من السلاح والذخائر الى الجنوب حتى يتمكن الشباب هناك من بدء العمليات العسكرية، وتوجه شباب الى قراهم الجنوبية من أجل تحضير الأجواء وتجهيز مخازن الأسلحة.

بدأت العمليات ضد الإسرائيليين في الجنوب خلال حصار بيروت.. كان الشباب ينفذون العديد من العمليات على الدوريات والمراكز الإسرائيلية، من دون أن تصدر بيانات تتبنى هذه العمليات كي تأخذ حقها في الإعلام.

كان هم المجاهدين الأساسي تحقيق عدة أمور دفعة واحدة:

أولاً: أن يثبتوا للإسرائيليين أنهم يواجهون قوة، وأن المنطقة بما فيها الضاحية لم تستسلم لهم.

ثانياً: أن يحافظوا على الذين يقاتلون، وتقوية نَفَسهم الجهادي.

ثالثاً: إخراج المعركة من بيروت وعدم حصرها في العاصمة.

رابعاً: التأسيس لعمليات مستقبلية، فالمسألة لم تنتهِ، فالعدو يحتل لبنان كله، ولا بد من مواجهته على كامل رقعة احتلاله.

خامساً: الاستفادة من فرصة عدم اتخاذ العدو الصهيوني تدابير احترازية، واسترخائه أمنياً بعد أن ظن أنه سيطر على المنطقة كلها، وضعف حذره تجاه التحركات التي يقوم بها المجاهدون من أجل نقل أكبر كمية ممكنة من السلاح إلى الجنوب والبدء بالإعداد لتوجيه أكبر ضربة ممكنة للعدو.

هذه الأمور كانت واضحة أمام المجاهدين أثناء حركتهم العسكرية اليومية، وكانوا يعملون عليها انطلاقاً من فهمهم لمسألة بدء عصر جديد أطلقه الإمام الخميني (قده) حرباً على الإسرائيليين.. بدأت من هذه المرحلة ولن تنتهي إلا بالتحرير الكامل لكل الأراضي المحتلة.

من الذين كانوا محاصرين في بيروت والذين كانوا قد بدأوا حركتهم الجهادية في الجنوب، والذين أعدوا أنفسهم في البقاع وأطلقوا محاولات الانتقال إلى ساحات المواجهة، تشكلت النواة الأولى للمقاومة، وفي هذا المسار بدأ يتكوّن التشكيل العسكري.

عملية الشهيد أحمد قصير

كان الاجتياح الصهيوني قد بدأ يرخي بظلاله على المنطقة، وسيطر الإحباط على الكثيرين، وظنوا أن العصر الإسرائيلي قد بدأ، وأن لا فكاك له عن منطقتنا إلى الأبد.

في المقابل كان هناك مقاومون يدشنون مرحلة جديدة أساسها معركة طويلة مع العدو، تتطلب حشد أكبر قدر ممكن من الطاقات في الجنوب، وإرسال الدعم البشري واللوجستي اللازم للانطلاق في هذه المسيرة.

حان موعد العمل، وبدأ التحضير لافتتاح هذه الجولة من الصراع بتوجيه أكبر ضربة يمكن تحقيقها للعدو .

كان المطلوب إفهام العدو بأنه عاجز عن حماية جنوده المنتشرين على الأراضي اللبنانية، وتوجيه رسالة إلى الأمة وإلى الشعب اللبناني، مفادها أن هذا العدو ضعيف وعاجز ويمكن مواجهته، لا بل وتكبيده الخسائر وإلحاق الهزيمة به، ليستفيق الناس من الصدمة ويشعروا بأن إرادتهم أقوى من جبروت العدو الصهيوني .

كان المطلوب إيصال رسالة للعدو أن وصول قواته إلى العاصمة لا يعني أنه قضى على جذوة الرفض لمشروعه الاستعماري، فهذه الجذوة متجذرة في الأرض ولا يمكن أن تطفئها كل العواصف.

كما كان المطلوب الإيحاء للمقاومين الذين صبروا وصمدوا وقاتلوا بأن مقاومتهم لم تذهب عبثاً، وأن الضربات الكبيرة للعدو ستنطلق بعملية ذات بعد استراتيجي ينبع من الفعل الاستشهادي، لتفتح الباب لكل من يريد خوض المعركة مع العدو.

لم تكن العملية ضد مقر الحاكم العسكري الصهيوني مجرّد استفادة من فرصة وجود تجمع عسكري صهيوني يمكن ضربه وإنزال خسائر كبيرة بالعدو من خلاله.. كان البحث عن المكان يجري بشكل حثيث، لم تكن المسألة عرضية، ولم يكن المطلوب تحقيق هدف عادي. لقد خُطّط للمسألة جيداً لكي تكون البداية بعمل كبير، عمل ضخم، يرسم صورة جديدة للموازين.. وكانت عملية الشهيد أحمد قصير.

بعد هذه العملية ارتفعت معنويات الجميع، وصار التيار السائد هو تيار رفض الاحتلال، وتكاثرت العمليات منّا ومن الآخرين، وتضاعفت خلال فترة قصيرة العمليات التي كانت تنفذها الأحزاب والقوى الأخرى.. فتحقق الهدف المنشود، الانطلاق بمقاومة ستبقى مستمرة حتى إزالة الاحتلال.
من ذاكرة “الانتقاد” ـ 24 أيار/ مايو 2002

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.